لقد شهدنا الهجوم الذي شنَّه دعاة المثلية على الديانة المسيحية، فهل تظنون حقاً أنهم سيستثنون الإسلام في بريطانيا؟ أعتقد أننا بحاجة إلى تناول هذه المسألة بشكل مباشر، وأفضل وسيلة للدفاع في حالة كهذه هي الهجوم. أولاً، دعونا نصحو على حقيقة المشكلة: يوجد من المسلمين من يمارس نمط الحياة الجنسية المثلي، سواءً في السر أوالعلن. وأسوأ ما يمكن القيام به تجاه هذه الحقيقة هو إنكارها. كيف لنا أن نساعد هؤلاء الأفراد المضللين من المسلمين إذا كنا ننكر وجودهم في الأساس؟ إن لم يتواجد لدى المسلمين شبكة دعم متخصصة لمعالجة هذه المسألة ومساعدة أفرادها في التغلب على الصعوبات وتجاوز فتنة كهذه، فسنخسر حتماً من لديه من المسلمين ميول لممارسة أنماط حياة أخرى ‘بديلة‘. علينا أن ننظر إلى المثلية الجنسية على أنها مجموعة من التصرفات التي يمكن السيطرة عليها- إذا وجدت الرغبة في ذلك- وإلا فإننا سنخسر هؤلاء لصف الليبراليين وخطاب "لقد ولدتَ بجين المثلية الجنسية". كم من المساجد برأيكم فيها أئمة قادرون على التعامل مع هذه القضية على نحو ملائم ؟ بدلاً من الاكتفاء بـ " حرام يا أخي " .
أرى أيضا أنه من المهم التمييز بين الأفكار المثلية والسلوك المثلي. دعاة المثلية حريصون جداً على إثبات كون الميل المثلي يتحدد وراثياً، ليستنتجوا من ذلك أن هذا الميل 'طبيعي' مما يجعله بالتالي أمراً مقبولاً اجتماعياً وأخلاقياً. هذا على الرغم من أن نتائج الأبحاث الخاصة بجين المثلية – الذي لا يزال مراوغاً - بعيدة عن القطعية. لكن حتى وإن قبلنا بذلك كحقيقة علمية، فهذا لا يعني أن تحويل هذه الأفكار إلى سلوك مثلي يعد صائباً من الناحية الأخلاقية. فافتراض أن ميولنا الجنسية يتم تحديدها من خلال بنيتنا الوراثية وأنها بالتالي ‘طبيعية‘ومن ثم ‘سليمة‘، يخلق معضلات أخلاقية أكثر غرابة من تلك التي يحلها. وذلك لأنه إذا تم الحكم على أي سلوك بأنه ‘سليم‘ لمجرد كونه 'طبيعي' ، فإن السلوك المثلي لن يكون السلوك الوحيد الذي سيتم تشريعه. بل إن جميع أنواع السلوك الغير مقبول (أو الذي لم يتم قبوله بعد) بما في ذلك الشذوذ الجنسي كممارسة الجنس مع الأطفال ستغدو مقبولة أيضاً إذا أمكن لأحدهم أن يثبت وجود جين خاص بالاعتداء الجنسي على الأطفال والذي – بالمناسبة – يدعي بعض العلماء وجوده. إن أي صاحب تفكير سليم لن يؤيد مثل هذا السلوك! بل سيسعى عوضاً ذلك للبحث عن مساعدة لأصحاب مثل تلك الميول حتى يتمكنوا من السيطرة على رغباتهم ويمتنعوا عن الانجراف خلفها. معنى ذلك أن كون ميولنا طبيعية لا ينتج عنه يالضرورة ومن خلال الاستنتاج المنطقي أن تصرفاتنا المنبثقة عنها سليمة. وإضافة إلى ذلك فإن الله لا يدين الأفكار المثلية (بل إنه سبحانه لايعاقب على أية أفكار سيئة، وإنما يريد منا اجتنابها كي نحمي أنفسنا) ولكنه سبحانه يدين السلوك والانحراف الذي قد تولده مثل تلك الأفكار.
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال : (( إن الله - عز وجل - كتب الحسنات والسيئات ، ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة ، فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها ، كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة ، فلم يعملها ، كتبها عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها ، فعملها كتبها الله سيئة واحدة )) . رواه البخاري ومسلم .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : (( إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثث به أنفسها ، ما لم يعملوا به أو يتكلموا )).
إن كنت تظن أن نمط الحياة المثلي يمارسه وينخرط فيه فقط من يسمون "المسلمون الليبراليون" أو "المسلمون بالثقافة" كما يسمون أنفسهم أحياناً، فأنت مخطئ حتماً. هناك منظمات مثل 'منظمة إيمان' و 'منظمة الفاتحة' في الولايات المتحدة تؤمن بشرعية عيش حياة إسلامية تتضمن ممارسة المثلية وتدعي أن الشريعة الإسلامية لا تتضمن أية أوامر بخصوص النشاط المثلي، أو أن تلك الأوامر ليست صالحة ليومنا هذا. قبل أن نتمكن من تناول صواب أو خطأ المثلية، علينا أن نسأل: كيف نقرر إذا كان هناك فعلاً ما يسمى بـ 'الصواب' أو 'الخطأ'. نحن المسلمون نؤمن بأن الله هو أعظم كيان مثالي يمكن تصوره، وهو بحكم تعريفه يتصف بالخيرية المطلقة. من هنا فإن الله في كماله، خاطب بطبيعتة الخيرة مطلقاً الإنسانية بمبادئ توجيهية والمعروفه لدينا باسم الشرائع والتي تصبح بالنسبة لنا واجباتٍ أخلاقية مثل: يجب أن لا تسرق، أن لا تأكل لحم الخنزير، وأن لا تلحق الأذى بالآخرين. ما يجعل هذه الأوامر صائبةً أخلاقياً هو النظر إليها على أنها أوامر إلهية يمكن إرجاعها الى مصدر مباشر منبثق عنه سبحانه. وأوامره سبحانه ليست مزاجية بل تنبعث بالضرورة من طبيعته الكاملة.
المسلم هو الذي يستسلم لإرادة الله
يقع هذا المفهوم في صميم العقيدة الإسلامية. وأصل كلمة «مسلم» هو: من استسلم لإرادة الله، والتعريف الدقيق للمسلم هو من سلَّم إرادته وأعماله وإيمانه وعقله لله. وقد أعطانا الإله الحق- الذي هو باعتقادنا حقيقية وليس أسطورة- أوامر فعلية للتعامل مع كل مسألة جادة قابلة للصواب أوالخطأ.
قال تعالى : "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا". ]سورة النساء: 65[
قال تعالى: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا" ]سورة الأحزاب: 36[
قال تعالى: " الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " ]سورة المائدة: 3[
قال تعالى: " وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ" ]سورة التغابن: 12[
قال تعالى: " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ · وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون" ]سورة النور: 51[
قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ" ]سورة النساء: 64 [
قال تعالى: " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" ]سورة النساء: 115 [
يتضح من الإشارات القرآنية أنه من الواجب على المسلمين طاعة الله والخضوع لإرادته وأن هذه هي السبيل لعيش حياة فاضلة، غير أن كثيراً من المسلمين أصيبوا بعدوى الشبهة التي مفادها: أن فعلاً ما يعد مقبولاً بمجرد شعورك بأنه كذلك. ومن ثم يتناول الناس مسألة الصواب والخطأ لا على أنها مسألة حقائق، بل على أنها مسألة ذوق. لا توجد قيم موضوعية في ما يتعلق بالمسائل الذوقية، بل كما يؤكد حكمك على الآيس كريم بأنه طيب الطعم أن: " آيسكريم الفستق لذيذ الطعم بالنسبة لك وليس لي". هكذا يتم توسيع هذا النوع من المواقف النسبية لتشمل القضايا الأخلاقية: "هو صواب بالنسبة لك ولكنه ليس صواباً بالنسبة لي". وبداية، أعتقد أنه من المهم جداً أن نفرق بين التزاماتنا الأخلاقية ومشاعرنا أو ردود فعلنا تجاهها. علينا أن ندرك أن التزاماتنا الأخلاقية تجاه الله مستقلة عن حالة الشعور بالذنب أو عدمه تجاه الأفعال المعنية. عندما نفشل في تلبية أوامر الله، فنحن مذنبون أخلاقياً. وإذا تم فرضاً تخديركل شخص في العالم إلى درجة يشعر عندها أن القتل العشوائي للناس صواب أخلاقياً، فإن تشريع الله المتعلق بفعل القتل العشوائي سيظل العامل الحاسم في تحديد قيمة هذا الفعل الأخلاقية وسيظل للفعل قيمة أخلاقية سلبية، بغض النظر عن مشاعر الناس حياله.
"في غياب الله، يصبح كل شيء مباحا"ً
ويترتب على ذلك أيضاً أنه إن لم يكن الله موجوداً فإن مسألة الصواب والخطأ ستصبح مسألة نسبية تابعة لآرائنا الخاصة. وكما قال الروائي الروسي دوستويفسكي " في غياب الله، يصبح كل شيء مباحاً". و ستصبح الأخلاق نتيجة ثانوية للتطور الاجتماعي البيولوجي الذي يختلف من مجتمع إلى آخر. ومن ثم لن يعود لشيء في الواقع قيمة أخلاقية، بما في ذلك المثلية الجنسية. إذا أراد المسلمون إثبات شرعية المثلية، فأن أفضل طريقة للقيام بذلك هي باتخاذ موقف إلحادي. ولكن المشكلة أن المثليون لا يريدون أن يلحدوا ويناشدوا أحكاماً أخلاقية كـ" لا للتمييز" ليصلوا من خلالها إلى أن أنه من الخطأ التمييز ضد المثليين جنسياً. يبدو إذن أن هناك مشكلة مفاهيمية تسبب هذا التوتر. وما توصلت إليه هو أن العديد من المسلمين استسلموا لله روحانياً ولكنهم لم يسلموا عقولهم لله (أرجو أن لا يساء فهمي على أنني أشير إلى عدم وجود حرية فكرية في الإسلام). ما أقصده هو فقط أنهم لا يفكرون كمسلمين...كشخص سلّم كامل وجوده إلى الإسلام، بما في ذلك نظرته الأخلاقية.
إن المسلمين العلمانيين/ الليبراليين يتناولون القضايا الأخلاقية بناءً على فلسفة مسبقة - عادة ما تكون ليبرالية- تشكل وتستوعب الإطار الإسلامي. وعندها لايغدو الحق والباطل أمران يحددهما الله، بل يحددهما مبدأ مبني على أسس عشوائية، يشكل إطار الإسلام الأخلاقي تبعاً لفهمه الخاص للصواب والخطأ.
على أية حال، تبعاً لما ذكرناه مسبقاً فإن الأخلاق ليس لها معنىً إلا بوجود الله لننسبها إليه، ومن ثم للإجابة عما إن كانت المثلية صائبة أم خاطئة أخلاقياً، علينا أن نرجع إلى حكم الله في هذه المسألة. إذا استندنا فقط إلى أطرٍ نسبية بمعزل عن الله فإن موقف كل من مضطهدي المثليين والمدافعين عنهم سيكون له فعلياً نفس القيمة الأخلاقية، لأنه حينها لن يكون هناك وجود فعلي للصواب والخطأ.
ومن هنا، إذا نظرنا إلى القرآن والسنة سنجد أن المثلية الجنسية محرمة، مما يجعل هذا الفعل خاطئاً من الناحية الأخلاقية.
(1) بصفتنا مسلمون فإننا ملزمون باتباع إرادة الله.
(2) نحن نستمد شرع الله من الوحي (القرآن والسنة).
(3) يحرم الوحي السلوك المثلي.
(4) لذلك، يعد السلوك المثلي مخالفاً لإرادة الله. أي خاطئٌ أخلاقياً.
No comments:
Post a Comment